الحکمة المتعالیة فى الاسفار العقلیة الاربعة، ج9، 140- 144
فصل (5) فی کیفیة حصول العقل الفعال فی أنفسنا
اعلم أن للعقل الفعال وجودا فی نفسه و وجودا فی أنفسنا فإن کمال النفس و تمام وجودها و صورتها و غایتها هو وجود العقل الفعال لها و اتصالها به و اتحادها معه- فإن ما لا وصول «1» لشیء إلیه بوجه الاتحاد لا یکون غایة لوجود ذلک الشیء فما هو غایة بالطبع لشیء فی وقت فهو من شأنه أن یصیر صورة له فی وقت آخر إلا لمانع یقطع طریقه إلى الوصول و کأنا قد أوضحنا تحقیق هذا الاتحاد فی العلم الکلی عند بحثنا عن أحوال العقل و المعقول إیضاحا یکفی لأهل العرفان و أصحاب الذوق و الوجدان- و إن لم یکن نافعا لأهل الجحود و الطغیان فمن استشکل علیه أن شیئا واحدا کیف یکون فاعلا متقدما على وجود الشیء و غایة متأخرة عنه مترتبة علیه ترتبا ذاتیا بعد مراتب استکمالاته و ترقیاته فی الوجود فعلیه أن یرجع و ینظر إلى ما حققناه و یسلک الطریق الذی سلکناه حیث عرفناه بقوة البرهان و نور الکشف و العیان أن المبدأ الأعلى له الأولیة و الآخریة لأجل سعة وجوده المنبسط و قوة وحدته الجامعة- و شدة نوریته الساطعة و تمام هویته التی انبعث منها الهویات و عینه التی انبجست منها أعیان الوجودات فوجوده التام الذی هو فاعل الآنیات هو غایتها و کمالها فهو أصل شجرة الوجود و ثمرتها لأن وحدته لیست کسائر الوحدات التی تحصل بتکررها الأعداد فلا ثانی لوحدته کما لا مثل لوجوده بل أحدیته الصرفة جامعة للکثرات ساریة فی الوحدات و نور وجوده نافذ فی الهویات کما قال أمیر الموحدین علی ع: مع کل شیء لا بمقارنة و غیر کل شیء لا بمزایلة
فلا یدفع وجوده الابتدائی وجوده الانتهائی فمنه یتنزل الموجودات فی الابتداء و إلیه تصعد الآنیات فی الانتهاء فعلى هذا المنوال حال وجودات الأنوار القیومیة و صور المفارقة الإلهیة فإن «1» وجودات العقول الفعالة ظلال لوجوده و وحداتها مثل لوحدته فسعتها و جمعیتها أنموذج لسعته و جمعیته فإنما هی وسائط صدور الأشیاء عن الحق تعالى و وسائل رجوع الموجودات إلیه فلها الأولیة بأولیته و الآخریة بآخریته کما أنها موجودة بوجوده لا بإیجاده- باقیة ببقائه لا بإبقائه لأنها کما علمت بمنزلة أشعة نوره و لوازم هویته.
ثم إن النظر فی العقل الفعال من حیث وجوده فی نفسه غیر النظر فیه من حیث حصوله لنفوسنا فالنظر فیه من الحیثیة الأولى قد مر ذکره فی الربوبیات إذ قد ثبت وجوده فی نفسه بالبرهان و لیس النظر فیه الآن إلا من حیث کونه کمالا للنفس الإنسانیة و تماما لها و البرهان على وجوده فی النفس أن النفس فی مبادی الأمر- و إن کانت نفسا بالفعل لکنها عقل بالقوة و لها أن تصیر عقلا بالفعل لأجل تصور المعقولات و التفطن بالثوانی بعد الأولیات حتى یصیر بحیث تحضر صور المعلومات متى شاءت فتحصل لها ملکة استحضار الصور العقلیة من غیر تجشم کسب جدید فخرجت ذاتها من العقل بالقوة إلى العقل بالفعل و کلما خرج من حدود القوة و الاستعداد إلى حد الفعل فلا بد له من أمر یخرجه منها إلیه فهو إن کان أمرا غیر عقلی کجسم أو قوة جسمانیة فیلزم أن یکون الأخس وجودا علة مفیدة للأشرف وجودا و کان غیر العقل أفاده العقل لغیره و ذلک محال و إن کان عقلا فلا یخلو إما أن یکون عقلا فی أصل الفطرة فهو المطلوب و إن لم یکن کذلک فیحتاج لا محالة إلى أمر یخرجه من القوة إلى الفعل- و یجعله عقلا بالفعل فننقل الکلام إلیه حتى یدور أو یتسلسل أو ینتهی إلى المطلوب فثبت وجود العقل المقدس عن شائبة القوة و النقص الاستعدادی.
و من سبیل آخر أن النفس الإنسانیة قد لا یکون معلوماتها التی اکتسبتها حاضرة لها مدرکة و لها قوة الاسترجاع و الاستذکار فهی مخزونة فلها قوة الإدراک و قوة الحفظ و هما متغایرتان لأن «1» الحافظ فاعل و المدرک قابل فیمتنع اتحادهما- و لا شک أن المدرک القابل هی النفس فالحافظ الفاعل جوهر أجل منها وجودا و هذا النحو من الوجود عقل فعال و ظاهر مکشوف أنه لیس جسما من الأجسام و لا قوة فی جسم لأن شیئا منهما لا یکون معقولا بالفعل و لا عاقلا بالفعل فکیف یکون سببا لما لیس بجسم و لا فی جسم و الکلام فی وجود سبب تصیر به النفس عقلا بالفعل و أما المعقول من الجسم فهو صورة عقلیة لا یحمل علیه معنى الجسم بالحمل الشائع الصناعی- فبالجسم لم یصر جسم معقولا فضلا عما لیس بجسم من الأمور التی لیست داخلة فی مکان- و لا منطبعة فی ذی وضع و حیز حتى یجاورها أو یحاذیها جسم أو صورة فی جسم فیؤثر فیها لما تقدم أن تأثیر الأجسام و الجسمانیات فی الأشیاء بمشارکة الأوضاع المکانیة- فإن القرب الوضعی و الاتصال المقداری فی الجسمانیات بإزاء القرب المعنوی و الارتباط العقلی فی الروحانی فی قبول الأثر و استجلاب الفیض و أما الأول تعالى فهو و إن کان هو الفیاض المطلق و الجواد الحق على کل قابل لفیض الوجود إلا أن فی کل نوع من أنواع الکائنات لا بد من واسطة تناسبه من الصور المجردة و الجواهر العقلیة و هم الملائکة المقربون المسمون عند الأوائل بأرباب الأنواع و عند الأفلاطونیین بالمثل الأفلاطونیة و الصور الإلهیة لأنها علومه التفصیلیة التی بواسطتها یصدر الأشیاء الخارجة کما مر و لا شک أن ألیقها و أنسبها فی أن یعتنی تکمیل النفوس الإنسانیة- هو أبوها القدسی و مثالها العقلی المسمى بلسان الشرع جبرئیل روح القدس و فی ملة الفرس کان یسمى روانبخش و فی کثیر من الآیات القرآنیة تصریح بأن هذه المعارف فی الناس و فی الأنبیاء ع یحصل بتعلیم الملک و إلهامه کقوله تعالى عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوى و قوله قالَ نَبَّأَنِیَ الْعَلِیمُ الْخَبِیرُ «1» و کیفیة وساطة هذا الملک المقرب العقلانی- فی استکمالاتنا العلمیة أن المتخیلات المحسوسة إذا حصل فی قوة خیالنا یحصل منها من جهة المشارکات و المباینات المعانی الکلیة و لکنها فی أوائل الأمر مبهمة الوجود- ضعیفة الکون کالصور المرئیة الواقعة فی موضع مظلم فإذا کمل استعداد النفس و تأکد صلاحیتها بواسطة التصفیة و الطهارة عن الکدورات و تکرر الإدراکات و الحرکات الفکریة- أشرق نور العقل الفعال علیها و على مدرکاتها الوهمیة و صورها الخیالیة فیجعل النفس عقلا بالفعل و بجعل مدرکاتها و متخیلاتها معقولات بالفعل و فعل العقل الفعال فی النفس و صورها المتخیلة الواقعة عندها کفعل الشمس فی العین الصحیحة و ما عندها من الصور الجسمانیة الواقعة بحذائها عند إشراقها على العین و على مبصراتها فالشمس مثال العقل الفعال و قوة الإبصار فی العین مثال قوة البصیرة فی النفس و الصور الخارجیة التی بحیالها مثال الصور المتخیلة الواقعة عند النفس فکما أن قبل إشراق الشمس عند الظلام یکون البصر بصرا بالقوة و المبصرات مبصرات بالقوة فإذا طلعت الشمس و أشرق علیها صارت القوة البصریة رائیة مبصرة بالفعل و تلک الملونات التی بحیالها مرئیات مبصرة بالفعل فکذلک مهما طلع على النفس هذا النور القدسی و أشرق ضوؤه علیها و على مدرکاته الخیالیة صارت القوة النفسانیة عقلا و عاقلا بالفعل و صارت المتخیلات معقولات بالفعل و میزت القوة العقلیة بین المکتسبات الحاصلة ذاتیاتها عن عرضیاتها و حقائقها عن لواحقها و رقائقها و أصولها عن فروعها و أخذتها مجردة عن الأعداد و الأفراد فیصیر الإنسان عند ذلک إنسانا عقلیا إذ بطلت جزئیته و ضیق وجوده بقطع التعلقات و القیود و إذا اشتد هذا النور الذی هو صورته العقلیة اتحد بالروح الکلی الإنسانی المسمى بروح القدس و العقل الفعال و المبدأ الفاعلی الذی سعته وجوده و بسط هویته بحیث یکون نسبته إلى جمیع الأشخاص و الأعداد و الأنداد البشریة نسبة واحدة کما هو شأن الکلی الصادق علیها المحمول علیها بحسب المفهوم و المعنى إلا أن المفهوم «1» عنوان للأفراد و هذا المبدأ الفاعلی حقیقة لها و حامل لها حافظ إیاها- و کذا الطبائع الکلیة عنوانات لذوات نوریة و هویات عقلیة و ملائکة قدسیة و أرباب أنواع طبیعیة و بالجملة مهما صارت النفس عقلا تصیر محسوساتها معقولات بالفعل «2» و عاقلات أیضا لما مر من طریقتنا أن کل معقول بالفعل عاقل بالفعل
الحکمة المتعالیة فى الاسفار العقلیة الاربعة، ج3،384-396 فصل(21) فی أن العلم بذی السبب یمتنع حصوله إلا من جهة العلم بسببه ..... ص : 396
فصل (19) فی الإشارة إلى إثبات القوة القدسیة
اعلم أن مبدأ العلوم کلها من عالم القدس لکن الاستعدادات للنفوس متفاوتة- و عند تمام الاستعداد لا فرق فی الإفاضة بین الأولیات و الثوانی فحال الإنسان فی إدراک الأولیات کحاله بعد التفطن للحدود الوسطى فی إدراک النظریات فی أنها کأنها تحصل بلا سبب و وجود الشیء بلا سبب محال لکن السبب قد یکون ظاهرا مکشوفا و قد یکون باطنا مستورا و الملقى للعلوم على النفوس المستعدة هو بالحقیقة سبب مستور عن الحواس معلم شدید القوى بالأفق الأعلى و فعله فی النفوس فی غایة الخفاء- و لکن قد یبرز من الباطن إلى الظاهر و قد یبرز من مکمن الغیب إلى عالم الشهادة و الأول کما للأنبیاء و الثانی کما للأولیاء علیهم السلام أجمعین و أما هذه الأسباب الظاهرة کالبحث و التکرار و السماع من معلم بشری فهی معدات لیست بموجبات و لذلک قد یختلف و قد یتخلف و بیان ذلک أن کل انتقال من الأولیات إلى النظریات إما أن یکون بتعلیم معلم بشری أو لا یکون فإن کان بتعلیم معلم کذلک فلا بد و أن ینتهی بالأخرة- إلى ما لا یکون ذلک من هذا السبیل بل یناله من ذاته و إلا لتسلسل التعلیم و التعلم «1» إلى غیر النهایة «1» و لأن کل من مارس علما من العلوم و خاض فیه و داوم على مواظبته و مزاولته لا بد و أن یستخرج بنفسه ما لم یسبقه إلیه متقدموه و أستادوه قل ذلک أو کثر فإن باب الملکوت غیر مسدود على أحد إلا لمانع من نفسه و حجاب من غلظة طبعه فبقدر سعیه و حرکة باطنه یتلطف ذهنیة قلبه و مقدحة طبعه و یستعد کبریت نفسه لأن ینقدح فیه شعلة من نار الملکوت أو نور من أنوار الجبروت- و کیف لا و قد بینا من قبل أن الإحساس بالجزئیات سبب لاستعداد النفس لقبول التصورات الکلیة و عرفت أن حصول التصورات المتناسبة سبب لحکم الذهن بثبوت أحدهما للآخر فکثیرا ما یقع للذهن التفات إلى تصور محمول بسبب الإحساس بجزئیاته عند استحضار تصور موضوعه و عند ذلک یترتب علیه لا محالة الجزم بثبوت ذلک المحمول لذلک الموضوع من غیر استفادة ذلک عن معلم أو روایة أو سماع من شیخ أو شهادة عدل أو تواتر فظهر أن الإنسان یمکنه أن یتعلم من نفسه و کلما کان کذلک فإنه یسمى حدسا و هذا الاستعداد القریب یتفاوت فی أفراد الناس- فرب إنسان بالغ فی جمود القریحة و خمود الفطنة بحیث لو أکب طول عمره على مسألة واحدة تعذر علیه تحقیقها و انصرف عنها بدون مطلوبه و رب إنسان یکون بضد ذلک حتى إنه لو التفت ذهنه إلیه أدنى لفتة حصل له ذلک ثم لما کانت الدرجات متفاوتة و القلوب مختلفة صفاء و کدورة و قوة و ضعفا فی الذکاء و کثرة و قلة فی الحدس فلا یبعد فی الطرف الأعلى وجود نفس عالیة شدیدة قویة الاستنارة من نور الملکوت سریعة قبول الإفاضة من منبع الخیر و الرحموت فمثل هذا الإنسان یدرک لشدة استعداده أکثر الحقائق فی أسرع زمان فیحیط علما بحقائق الأشیاء من غیر طلب منه و شوق بل ذهنه الثاقب یسبق إلى النتائج من غیر مزاولة لحدودها الوسطى- و کذلک من تلک النتائج إلى أخرى حتى یحیط بغایات المطالب الإنسانیة و نهایات الدرجات البشریة و تلک القوة تسمى قوة قدسیة و هی فی مقابلة الطرف الأدنى من أفراد الناس و مخالفتها لسائر النفوس بالکم و الکیف أما الکم فلکونه أکثر استحضارا للحدود الوسطى و أما الکیف فمن وجوه أحدها أنها أسرع انتقالا من معقول إلى معقول و من الأوائل إلى الثوانی و من المبادی إلى الغایات- و ثانیها أنها تدرک العقلیات الصرفة من حیث إنیاتها و هویاتها لا من حیث مفهوماتها و ماهیاتها العامة فإن الوصول إلى حقائق تلک المعقولات هی العمدة فی الإدراک دون المعارف الکلیة «1» و إن کانت هی أیضا وسیلة إلى ذلک الوصول إذا استحکمت و رسخت أصول معانیها فی النفس و لذلک قیل المعرفة بذر المشاهدة
و ثالثها أن سائر النفوس تعین المطالب أولا ثم تطلب الحدود الوسطى المنتجة لها- و أما النفس القدسیة فیقع الحد الوسط لها فی الذهن أولا و یتأدى الذهن منه إلى النتیجة المطلوبة فیکون الشعور بالحدود الوسطى مقدما على الشعور بالمطالب کما هو علیه الأمر فی نفسه فی ذوات المبادی اللمیة
فصل (20) فی أن العلم بالعلة یوجب العلم بالمعلول من غیر عکس «1»
أما المطلب الأول
فلأن العلة إما أن تکون علة لذاتها أو لا تکون علة لذاتها- فإن لم تکن علة لذاتها بل تحتاج فی تأثیرها إلى انضمام قید آخر فلم تکن هی العلة بالحقیقة بل العلة بالحقیقة هی ذلک المجموع ثم الکلام فی ذلک المجموع کالکلام فی الأول إلى أن ینتهی إلى شیء هو لذاته یکون مقتضیا للمعلول فمن عرف ذلک الشیء لا بد و أن یعرف منه أنه لذاته علة لذلک المعلول فإن ذاته إذا کانت لذاتها لا لغیرها علة لذلک المعلول فمن علمها على ما هی علیه وجب أن یعلمها على الجهة التی بها یوجب المعلول و متى علم منها أنه علة لذلک المعلول وجب أن یحصل العلم له بذلک المعلول لأن العلم بأحد المضافین على الجهة الموقعة للإضافة یوجب العلم بمضاف آخر «1» هذا ما یستفاد من کتب القوم.
أقول التحقیق فی هذا المقام أن العلة قسمان علة هی بماهیتها موجبة للمعلول کالأربعة للزوج و المثلث لذی الزوایا و مثل هذه العلة متى علمت ماهیتها- علم لازمها لا محالة إذ اللازم لازم لذاتها و ماهیتها من حیث هی هی و علة لیست هی بماهیتها موجبة للمعلول بل إما بوجودها الذهنی أو بوجودها الخارجی و مثل تلک العلة لا یکفی العلم بنفسها لإیجاب العلم بمعلولها و أیضا العلم بها و بکونها موجودة على الوجه العام فی الموجودیة لا یجب أن یؤدی إلى العلم بمعلولها لأن الجهة المقتضیة للمعلول- لیست هی نفس ماهیتها و لا مطلق وجودها بل خصوص وجودها و تشخصها فما لم یعلم ذلک الوجود بخصوصه لا یلزم منه العلم بمعلوله و قد علمت أن الاطلاع على نحو من الوجود بهویته لا یمکن إلا بأن یتحد العالم به أو بما هو محیط به «2» و مبدأ له فعند ذلک یکون العلم بمعلوله نفس وجود معلولة کما أن العلم بوجود تلک العلة نفس وجودها فإذا علم أحد علة من العلل على الوجه الذی ذکرناه- فلا بد أن یعلم معلولها و من معلولها معلول معلولها و هکذا إلى آخر معلولاتها لو کانت و على هذا اندفع ما ذکره الفخر الرازی فی بعض کتبه أن قول الحکماء- إن العلم بالعلة یقتضی العلم بالمعلول إن أرید به أن العلم بماهیة العلة یوجب العلم بمعلولها فذلک إنما یصح فیما إذا کان المعلول من لوازم ماهیة علته «1» و إن أرید به أن العلم بالعلة من حیث هی علة یوجب العلم بالمعلول من حیث هو معلول- فذلک و إن کان حقا لکنه عدیم الفائدة فإن المتضایفین معان فی التعقل لا تقدم لأحدهما على الآخر أی متضایفین کانا «2» و لا خصوصیة لهذا الحکم بالعلة و المعلول و إن أرید به أن العلم بالعلة بجمیع وجوهها و حیثیاتها یقتضی العلم بالمعلول فهذا أیضا عدیم الجدوى فإن العلم بکل مجموع یتضمن العلم بجزء من أجزائه «3» فإذا علم جمیع جهات العلة «4» فمن جملة تلک الجهات کونها موجبة لهذا المعلول و الکل غیر مقتض لجزئه بل العکس أولى «5» لأن الجزء من أسباب تحقق الکل بوجه و وجه الاندفاع ظاهر مما ذکرنا فإن مرادهم لیس شیئا مما ذکره بل أن العلة إذا علمت بحقیقتها التی هی بها علة تقتضی وجوب وجود المعلول «1» حتى إن حالها مع تلک الحقیقة بالقیاس إلى وجوب وجود معلولها کحال الماهیة بالقیاس إلى لازمها من حیث هی هی فظهر أن کل معلول من لوازم ماهیة علته سواء کانت تلک الماهیة عین الوجود أو غیر الوجود أو مع الوجود فإن قلت ذات العلة مغایرة لعلیة العلة فإن علیة العلة معقولة بالقیاس إلى معلولیة المعلول و ذات العلة غیر معقولة بالقیاس إلى شیء و إلا لکانت ذات العلة من باب المضاف فلا تکون قائمة بنفسها لکن المبدأ الأول القائم بذاته علة لما سواه هذا خلف.
و أیضا فیلزم أن یکون ذات العلة مع المعلول مع أنها متقدمة علیه هذا خلف- و إذا ثبت المغایرة بینهما و ثبت أن ذات العلة غیر معقولة بالقیاس إلى المعلول لم یجب من العلم بحقیقة الذات التی عرضت لها العلیة العلم بذات المعلول.
فنقول فی حل هذا الإشکال «2» إن علیة العلة لا یمکن أن یکون وصفا ثبوتیا زائدا على حقیقة العلة و وجودها و إلا لکانت علیه العلة لتلک العلیة أیضا زائدة على ذات العلة و لزم من ذلک التسلسل فإذا علیة العلة نفس ذاتها المخصوصة و أما کون المضاف من جملة الأعراض و ذات العلة قد تکون جوهرا فکیف یکون شیء واحد جوهرا و عرضا فجوابه کما أشرنا إلیه فی مباحث المضاف أن وجود الجوهر غیر ماهیته العقلیة فالجوهر إذا کان موجودا و هو بحقیقته علة لشیء فتلک الماهیة الجوهریة إذا عقلت لم یلزم من تعقله على هذا الوجه الکلی تعقل کونها علة أو مضافة فإضافة العلیة معقولها خارج عن المعقول من حقیقة الجوهر فالوجود المنسوب إلیها من جهة ذاتها هو وجود الجوهر المعقول لذاته فی ذاته و إذا نسب إلیها من حیث کونها سببا لشیء أو مرتبطا به أی ارتباط کان ذلک الوجود من تلک الجهة وجود المضاف «1» و کأنه وجود الشیء على صفة فیکون کوجود العارض لشیء إلا أنه غیر مستقل الماهیة فهذا تحقیق وجود المضاف لا کما زعمه الناس من أنه غیر موجود فی الخارج و إلا لزم الکذب فی قولنا هذا علة و ذاک معلول و هذا أب و ذاک ابن «2».
فإن رجعت و قلت إن لذات العلة حقیقة مخصوصة متمیزة عن ذات المعلول- و لیس أحدهما داخلا فی الآخر و إذا تباینا فلم لا یجوز حصول العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر.
فنقول هیهات لیست مغایرة العلة و المعلول کمغایرة زید و عمرو و کمغایرة جسم و جسم حتى یمکن تصور أحدهما مع الغفلة عن الآخر بل وجود المعلول بخصوصه من نتائج وجود العلة و لوازمها و نسبة وجوده إلى وجود العلة نسبة لوازم الماهیة إلى الماهیة «1» و وجود العلة لیس إلا تمام وجود المعلول و کماله- و المغایرة بینهما کالمغایرة بین الأشد و الأنقص و بالجملة التعقل التام أن یکون مطابقا للوجود الخارجی بل متحدا به «2» فإذا کان الشیء بذاتها سببا للمعلول بلا واسطة وجب أن یکون العلم بعلته مقتضیا للعلم به بلا واسطة
و أما المطلب الثانی
و هو أن العلم بالمعلول لا یوجب العلم بالعلة بخصوصها فبیانه أن موجب الشیء لا بد أن یکون علته فالعلم بالعلة إذا حصل من جهة العلم بشیء- فذلک العلم لا بد و أن یکون علة للعلم بالعلة لکن وجود المعلول یتحد بالعلم «3» کما مر فلا بد و أن یکون لذلک المعلول ضرب من العلیة بالقیاس إلى علته و إذا کان المعلول بخصوصیة ذاته من توابع العلة فلو کان بخصوصه علة لوجود علته بخصوصها یلزم تقدم الشیء على نفسه و هو محال نعم لما کان استناد المعلول إلى علته- لأجل أنه فی ذاته غیر مستقل الوجود و العدم إذ لو کان له استقلال فی أحدهما لامتنع استناده إلى سبب فالممکن من جهة ماهیته المتساویة النسبة إلى الوجود و العدم یقتضی مرجحا ما و علة ما لا علة مخصوصة فالعلم بثبوت المعلول من هذه الجهة یوجب العلم بثبوت مرجح ما و علة ما و لذلک قیل الإمکان علة الافتقار إلى علة مطلقة فإذا کان المعلول لإمکانه محوجا إلى العلة و الإمکان موجبا للحاجة إلى العلة المطلقة- فلا جرم کان العلم بماهیة المعلول موجبا للعلم بالعلة المطلقة و أما العلة فإن اقتضاءها للمعلول لذاتها و حقیقتها المخصوصة فإذن علیتها لا بد و أن تکون من لوازم ذاتها المعینة و العلة المعینة لا یقتضی معلولا مطلقا و إلا لکان لا یتخصص إلا بقید آخر فالعلة بالعلة بالحقیقة هی مع ذلک القید فلم یکن ما فرضناه علة علة هذا خلف فثبت إذن أن العلة بحقیقتها المعینة تقتضی معلولا معینا فلا جرم کان العلم بحقیقة العلة علة للعلم بحقیقة المعلول المعین و أما المعلول فلا یقتضی العلة المعینة- من حیث هی هی فلا جرم لا یلزم من العلم بالمعلول العلم بالعلة.
فإن قلت المعلول المعین إذا لم یقتض علة معینة کانت نسبته إلى علته و إلى سائر الأشیاء واحدة فلما ذا استند إلیها دون غیرها.
قلنا المعلول المعین یقتضی علة مطلقة لکن العلة المعینة اقتضت «1» معلولا معینا فتعیین تلک العلة لذلک المعلول لیس لأجل اقتضاء المعلول لها بل لأجل اقتضاء ذلک العلة لذلک المعلول فلما کانت تلک العلة لذاتها مؤثرة فی وجود ذلک المعلول- استحال أن یؤثر فیه علة أخرى لامتناع توارد علتین على معلول واحد و لهذا نظائر کثیرة منها أن نسبة الجنس کالحیوان إلى الفصل کالناطق و إلى سائر الفصول واحدة فاختصاص هذه الحصة من الحیوان بالناطق لو کان من جهة طبیعة الحیوان بما هو حیوان لزم الترجیح من غیر مخصص لتساوی نسبة الحیوان إلى جمیع الفصول- فالحیوان بما هو حیوان یحتاج لکونه طبیعة جنسیة ناقصة إلى فصل من الفصول أی فصل کان لکن تحصله فی ضمن هذا النوع بهذا الفصل إنما کان من جهة الفصل لا من جهته و کذلک النوع یحتاج فی تحصله الشخصی الوجودی إلى تشخص ما أی تشخص کان لکن تحصله فی ضمن هذا الشخص کزید بهذه الهویة الوجودیة إنما کان من جهة هذه الهویة لا من جهته و ما اشتهر عند الناس أن بعض الماهیات النوعیة کالإبداعیات- نوعها مقتض للتشخص الخاص و أن التشخص قد یکون من لوازم النوع أی النوع الذی انحصر وجوده فی شخصه لیس بصحیح عندنا لاستحالة کون ماهیة من الماهیات مقتضیة للتشخص لأن التشخص لا یکون إلا بالوجود و قد مر فی مباحث الوجود أن الوجود یمتنع أن یکون معلول الماهیة بالبرهان القطعی الذی سلف ذکره هناک بل الوجود کالتشخص یقتضی الماهیة فیما له ماهیة و الفصل یقتضی الجنس فیما له جنس- فبالوجود الخاص تشخصت الماهیة و صارت شخصا معینا و بالفصل المعین تعینت طبیعة الجنس و صارت نوعا مخصوصا فلأجل هذا العلم بالتشخص یوجب العلم بالنوع- الذی هو معلومه بخصوصه و کذا یلزم من العلم بکل فصل لنوع العلم بجنسه بخصوصه و لا یلزم من العلم بوجود النوع إلا العلم بوجود تشخص ما من التشخصات- و لا من العلم بوجود الجنس إلا العلم بوجود فصل ما من الفصول.
فإن قلت إذا حصل العلم بخصوصیة وجود معلول من المعالیل علما حضوریا شهودیا بحیث لا یکون بصورة زائدة على نفس الوجود بل بحیث لا یغیب الشهود عن الوجود فعند ذلک لا بد و أن یجب من ذلک العلم لخصوصیة ذات العلة أیضا فلا فرق بین العلمین أی العلم بالعلة و العلم بالمعلول فی کون کل منهما مقتضیا للآخر.
قلنا لیس الأمر کذلک لما علمت أن وجود العلة أقوى من وجود المعلول فکما أن وجود المعلول لقصوره و ضعفه لا یحیط بوجود العلة و لا یبلغ أیضا إلى مثله- فکذلک العلم به لا یقتضی البلوغ إلى الإحاطة بوجودها و لا نیل مرتبتها فی الوجود- و لهذا المعنى قال یعقوب بن إسحاق الکندی إذا کانت العلة الأولى متصلة بما یفیضه علینا و کنا غیر متصلین به إلا من جهته فقد یمکن فینا ملاحظته على قدر ما یمکن المفاض علیه أن یلحظ الفائض فیجب إلا ینسب قدر إحاطته بنا إلى قدر ملاحظتنا له لأنها أغرز و أوفر و أشد استغراقا لنا و إذا کان الأمر کذلک فقد بعد عن الحق بعدا کثیرا من ظن أن العلة الأولى لا یعلم الجزئیات انتهى
شاهرودی مباحث مربوط به تدریس اینجانب مانند سرفصل ها، عناوین پژوهشهای مربوط به درس، پژوهشهای دانشجویان در زمینه های فلسفه و عرفان و سایر دروس رشته فلسفه و حکمت اسلامی به منظور استفاده دانشجویان علاقمند ارائه خواهد شد |